مع بداية القرن الرابع عشر أنشيء المسرح الروماني ليكون الوحيد في مصر وواحد من أهم وأبرز المزارات السياحية في مدينة الإسكندرية، والمسرح الروماني يقع بمنطقة «كوم الدكة» التي سميت بهذا الاسم عندما مر عليها المؤرخ النويري السكندري في القرن الماضي، وشاهد هذا التل الترابي المرتفع الذي يشبه «الدكة» والناتج عن أعمال حفر ترعة المحمودية في عصر محمد علي، حيث تكون هذا التل الترابي من أكوام التراب المدكوك، فاطلق عليها «كوم الدكة».
وقد لعبت الصدفة البحتة دوراً رئيسياً في الكشف عن هذا الأثر المهم والذي يعتبر بحق رمزاً من رموز العمارة الرومانية، ففي عام ١٩٦٠ وبعد صدور القرار بإزالة التل الترابي والبدء في إقامة مبني حكومي في هذا الموقع، وأثناء عمل الأساسات اصطدمت الأعمدة الحديدية بأجزاء صلبة تحت الأرض جهة الجنوب والشرق، مما أكد للقائمين علي العمل بوجود كيان معماري في هذا الموقع، وعلي الفور بدأت أعمال الحفر والكشف بواسطة (المتحف اليوناني الروماني) ممثلاً لمصلحة الآثار المصرية و(البعثة البولندية) ممثلاً لمركز آثار البحر المتوسط لتكشف لنا طرازاً معمارياً فريداً لآثار مصر الرومانية.
وترجع إقامة هذا المبني إلي بداية القرن الرابع الميلادي، وظل مستخدماً حتي منتصف القرن السابع الميلادي، وهذا ما تؤكده طراز العمار والمواد والعناصر المعمارية المستخدمة فيه، مقارنة بالمباني الأخري التي أقيمت في هذه الفترة، ويدلنا هذا علي أن المبني مرت عليه ثلاثة عصور (الروماني - البيزنطي (المسيحي) - الإسلامي) ولذلك فقد اختلفت استخداماته من عصر إلي عصر، وهذا ما أثبتته الدراسات والإضافات المعمارية المختلفة، علاوة علي طبيعة وصفات كل عصر من هذه العصور.
والمبني مدرج علي شكل (حدوة حصان) أو حرف U، وقد أطلق عليه خطأ اسم (المسرح) لأن الدراسات المقارنة بينه وبين المسارح المشابهة والتي اكتشفت في اليونان وإيطاليا ومسرح مدينة (جرش) أكدت أنه ليس مبني للمسرح، لأن مبني المسرح عادة ما يكون علي شكل حرف C أو نصف دائرة حتي يتمكن الجالسون علي الأطراف من المشاهدة، فضلاً علي أن صغر حجم المبني بالنسبة لعدد سكان الإسكندرية القديمة في هذا الوقت، وما كان لها من قيمة ومكانة حضرية مرموقة، تؤكد لنا أنه ليس مسرحاً ومن هنا يمكن لنا تسميته بـ«المدرج الروماني».
ويتكون المدرج الروماني من ١٣ صفاً من المدرجات الرخامية مرقمة بحروف وأرقام يونانية لتنظيم عملية الجلوس، أولها من أسفل من الجرانيت الوردي المكونة من الأحجار المتينة، ولذا استخدمه المهندس كأساس لباقي المدرجات، ويوجد أعلي هذه المدرجات ٥ مقصورات كانت تستخدم لعملية النوم لم يتبق منها إلا مقصورتان، وكان سقف هذه المقصورات ذا قباب تستند إلي مجموعة من الأعمدة، وكانت وظيفة تلك القباب حماية الجالسين من الشمس والأمطار، بالإضافة إلي دورها الرئيسي في عملية التوصيل الجيد للصوت والتي سقطت علي إثر الزلزال القوي الذي تعرضت له الإسكندرية في القرن ٦ الميلادي.
وتستند المدرجات إلي جدار سميك من الحجر الجيري يحيط به جدار آخر، وقد تم الربط بين الجدارين بمجموعة من الأقواس والأقبية، حيث يعتبر الجدار الخارجي دعامة قوية للجدار الداخلي، وقد استخدمت مداميك الطوب الأحمر في هذا الجدار، وهو الطراز السائد في المباني الرومانية عامة، حيث إن له دوراً معمارياً في التقوية، كما أنه يعطي شكلاً جمالياً للمبني، ولقد نشأ بين هذين الجدارين ممر مغطي بالأقبية، يحيط بالمبني كان يستخدمه العاملون بالمبني.
ويقع منتصف المدرج منطقة (الأوركسترا) والتي كانت تستخدم كمكان لعزف الموسيقي تثبتها دعامتان رخاميتان ثم صالتان من الموزايكو ذوات زخارف هندسية في المدخل، والذي يقع جهة الغرب في العصر البيزنطي.
وكان المبني في العصر الروماني ذا مدخلين، أحدهما جهة الشمال والآخر جهة الجنوب، من خلال بابين مقوسين في الجدار الخارجي تم غلقهما بعد ذلك في العصر البيزنطي إلي جانب وجود حجرتين كبيرتين في المدخل إحداهما جهة الشمال والأخري جهة الجنوب، كانتا تستخدمان كأماكن انتظار في العصر الروماني علي شارع من العصر الروماني يسمي بـ«شارع المسرح» وهو يعتبر شارع عرض رئيسي من شوارع الإسكندرية القديمة التي توجد فيها أساسات لفيلا من القرن الأول الميلادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق